التحفيز المستدام للوصول إلى مستقبل أخضر
تعتمد قطاعات الطاقة والكيماويات، التي تُعَدّ محورية في الاقتصاد العالمي الحديث، على الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز الطبيعي).
ويُشتق الوقود ومنتجات مثل الأسمدة، والبلاستيك، والأقمشة، ومستحضرات التجميل من الوقود الأحفوري؛ لكنْ لا يمكن الوصول إلى اقتصاد عالمي مستدام بيئيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً بالاعتماد الكامل على المنتجات المشتقة من هذه الموارد الأحفورية؛ بسبب استنفاد النفط، وتقلب أسعاره، والمخاوف البيئية، مثل انبعاثات غازات الدفيئة، إضافة إلى النمو السكاني، والاقتصادات الناشئة.
ويمثل التحول من اقتصاد غير مستدام ومبني على الموارد الأحفورية إلى اقتصاد مستدام ومعتمد على الموارد المتجددة، مثل النفايات والكتلة الحيوية، واحداً من أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين، فضلاً عن الانتقال إلى عمليات تصنيع أكثر استدامة تساعد على خفض النفايات، وتقليل استخدام المواد السامَّة والخَطِرة. وقد أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة مبادرات عدَّة للتعامل مع تحدي الاستدامة، منها استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، الرامية إلى زيادة إسهام الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الإجمالي للبلاد من 25 في المئة إلى 50 في المئة، وخفض البصمة الكربونية لعمليات توليد الطاقة بنسبة 70 في المئة.
ويمكن للطرق المستخدمة في المصافي الحيوية لتحويل النفايات إلى وقود، أو مواد كيميائية، أن تساعد على مواجهة بعض هذه التحديات، كما يمكن أن تَستخدم المصافي الحيوية مكوّنات الكتلة الحيوية وثاني أكسيد الكربون، وهنا تُعَدّ المواد التحفيزية ضرورية لتحويل ما يُستخدَم إلى منتجات مفيدة مثل الوقود أو الكيماويات.
واستُخدم مفهوم التحفيز أولَ مرة قبل 180 عاماً من قِبَل الكيميائي السويدي جونز جاكوب بريزيليوس. ويُتوقّع أن تصل قيمة سوق المواد التحفيزية إلى 34.3 مليار دولار بحلول عام 2024. والمحفّز هو أي مادة تزيد معدل التفاعل الكيميائي؛ أي إعادة ترتيب الذرات والجزيئات إلى أشكال جديدة، من دون استهلاكها.
وتوفر المواد التحفيزية نوعاً من التحكم في المنتجات المتكوّنة. ومن وجهة نظر عملية لا يحدث كثير من التفاعلات الكيميائية في حالة عدم وجود محفّز، وتسهم المحفزات في خفض مدخلات الطاقة، وتقليل التأثيرات في البيئة، وتحقيق فوائد اقتصادية.
ويكمن التحدي في أن المحفزات الحالية لا تساعد بكفاءة على تحويل المواد غير التقليدية المستخدمة، مثل الكتلة الحيوية وثاني أكسيد الكربون؛ إذ تتميز هذه المسارات التركيبية الناشئة بتفاعلات معقَّدة تتطلب كثيراً من الوظائف التي تفتقر إليها المحفزات التقليدية؛ ولذا فإننا بحاجة إلى محفزات أفضل تتكيَّف معها، فضلاً عن ضرورة إجراء مزيد من البحوث والدراسات، والأدوات الحسابية المتقدمة، وأساليب التوصيف لتسريع اكتشاف وتطوير أنواع جديدة من المحفزات لعمليات التحويل؛ ما يساعد على إنتاج وقود حيوي ومواد كيميائية حيوية بتكلفة تنافسية.
ومن بين الأمثلة على ذلك إنتاج الميثانول الذي يُستخدَم وقوداً، وفي إنتاج مواد كيميائية أخرى مثل المواد اللاصقة، والعوازل، والبلاستيك، وغيرها. ويبلغ الإنتاج السنوي للميثانول نحو 98 مليون طن، ويأتي معظمه من الوقود الأحفوري. وتتراوح تكلفة إنتاج الميثانول المستند إلى الوقود الأحفوري بين 100 و250 دولاراً لكل طن، كما يمكن إنتاج الميثانول من الوقود الحيوي (320-770 دولاراً لكل طن) أو ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين من التحليل الكهربائي للماء (800-2400 دولار لكل طن)، وتشير هذه الأرقام إلى الفجوة الحالية في تحسين إنتاج الميثانول من المصادر غير التقليدية.
الدكتورة/ مريم الهاشمي*
*أستاذ مساعد - جامعة خليفة.